مرت خلال الساعات الماضية الذكرى الرابعة والثمانون لتأسيس نقابة الصحفيين. تأتى هذه الذكرى فى خضم الاستعداد لإجراء الانتخابات لاختيار النقيب الجديد ونصف أعضاء المجلس طبقًا لقانون النقابة. والحقيقة أن نقابة الصحفيين شرف لا يضاهيه أى شرف لكل منتسب إلى هذا الصرح العريق. ويسعدنى أنا شخصيًا أن أحمل العضوية برقم ٣٦٣١ وأكون واحدًا من المنتسبين إلى هذا الصرح العظيم. وفى ظل هذه الانتخابات دائمًا ما تختار الجمعية العمومية ما تراه مناسبًا لتحقيق آمالها وطموحاتها فى ظل متغيرات كثيرة وواسعة تتعرض لها البلاد، وفى ظل تحديات واسعة وخطيرة. وبالطبع فإن الجمعية العمومية هى التى تختار النقيب ونصف أعضاء المجلس، وهى الوحيدة القادرة على اختيار من تراه الأنسب فى ظل هذه الظروف، دون تدخل أو ما شابه ذلك.
فى ذكرى تأسيس نقابة الصحفيين، أستحضر تاريخًا حافلًا بالكفاح والعطاء، يمتد لما يزيد على ثمانية عقود، شهدت فيها صاحبة الجلالة تطورات وتحولات جذرية فى دورها ورسالتها. تأسست نقابة الصحفيين المصريين فى الحادى والثلاثين من مارس عام ١٩٤١، كثمرة لنضال طويل خاضه أساتذتنا رواد المهنة من أجل كيان يدافع عن حقوقهم ويصون حريتهم ويرسى معايير العمل الصحفى. كان ميلاد النقابة بمثابة علامة فارقة فى تاريخ الصحافة المصرية، حيث مثلت اعترافًا رسميًا بدور الصحفيين وأهمية رسالتهم فى المجتمع.
منذ اللحظات الأولى لتأسيسها اضطلعت النقابة بدور مهم فى الدفاع عن حرية الصحافة والتعبير، وواجهت ببسالة محاولات التضييق على الكلمة الحرة. ولم تقتصر جهود النقابة على حماية حقوق أعضائها المهنية والاقتصادية والاجتماعية، بل امتدت لتشمل المساهمة الفعالة فى قضايا الوطن الكبرى، وكانت صوتًا للحق والعدل، ومنبرًا للحوار والتنوير.
وعلى مر السنوات، خاضت النقابة معارك شرسة دفاعًا عن استقلاليتها ورفضًا لأى تدخل يمس جوهر عملها. وقفت فى وجه الأنظمة المتعاقبة، لتعلى قيم الحرية والمسئولية المهنية، وتدافع عن حق المواطن فى المعرفة والحصول على المعلومة الصحيحة. لقد كانت النقابة بحق حصنًا للصحفيين، وملجأ لهم فى وجه التحديات والصعاب. ولم يكن دور النقابة مقتصرًا على الجانبين الحقوقى والنضالى، بل امتد ليشمل الجانبين المهنى والتطويرى. وسعت النقابة دائمًا إلى الارتقاء بمستوى الأداء الصحفى، من خلال تنظيم الدورات التدريبية وورش العمل، وإصدار المدونات والمعايير المهنية، وتشجيع البحث العلمى فى مجال الإعلام. كما عملت على تعزيز أخلاقيات المهنة، ومحاربة الظواهر السلبية التى قد تشوب العمل الصحفى. وأتمنى أن تسير على هذا المنهج بعيدًا عن التحزب والحزبية. وشهدت نقابة الصحفيين على مدار تاريخها تداولًا سلميًا للسلطة عبر انتخابات حرة ونزيهة، عكست إرادة الجمعية العمومية، وأفرزت قيادات حملت على عاتقها مسئولية النهوض بالمهنة والدفاع عن مصالح أعضائها. لقد كان هذا التداول السلمى للسلطة نموذجًا يحتذى به فى العمل النقابى والوطنى.
إلا أن مسيرة النقابة لم تخلُ من تحديات وعقبات. حيث تواجه الصحافة المصرية فى السنوات الأخيرة تحديات غير مسبوقة، تمثلت فى التطورات التكنولوجية المتسارعة، وظهور وسائل الإعلام الرقمى، وتصاعد خطاب الكراهية والمعلومات المضللة، بالإضافة إلى الضغوط الاقتصادية والتشريعية التى أثرت على حرية واستقلالية العمل الصحفى. ويجب على النقابة فى ظل هذه التحديات أن تسعى بشتى السبل إلى التكيف مع المتغيرات الجديدة، وحماية المهنة من المخاطر التى تهددها.
وفى ذكرى التأسيس الرابعة والثمانين، يجب أن تقف نقابة الصحفيين أمام مسئوليات جسيمة وتحديات معاصرة. ويتطلب الأمر تضافر جهود جميع أبناء المهنة، قيادة وقواعد، من أجل الحفاظ على مكتسبات النقابة وتعزيز دورها فى المجتمع. إن حماية حرية الصحافة والتعبير، والارتقاء بالمعايير المهنية والأخلاقية، والدفاع عن حقوق الصحفيين، وتمكين الشباب، هى من أهم الأولويات التى يجب أن تركز عليها النقابة فى المرحلة المقبلة.
إن نقابة الصحفيين، بتاريخها العريق وإرثها النضالى، تظل صمام أمان للصحافة المصرية، ورمزًا للكلمة الحرة المسئولة. وفى هذه الذكرى نجدد العهد على مواصلة المسيرة، والعمل بكل إخلاص وتفانٍ من أجل رفعة شأن المهنة، وخدمة قضايا الوطن، وإعلاء قيم الحق والعدل والحرية.
0 تعليق